ثنائية العطش في تغريبة القافر المفتوحة على مجهول دلشاد البلوشي
زنجبيل الكتب | كايد أبو الطيف
“تغريبة القافر” رواية مائية تُعيد للراوي وظيفته الأولى وهي ريّ الناس وإشباع ظمئهم. تدور أحداث الرواية في إحدى القرى العُمانية وتحكي قصة أحد مقتفي أثر الماء، تستعين به القرى في بحثها عن منابع المياه الجوفية. تكون حياة القافر منذ ولادته مرتبطة بالماء، فأمّه ماتت غرقاً، ووالده طُمر تحت قناة أحد الأفلاج حيث انهار عليه السقف، ينتهي سجيناً في قناة أحد الأفلاج ليبقى هناك يقاوم للبقاء حياً. تعمل الرواية من منطقة جديدة في السرد، هي ذاكرة الأفلاج، والأفلاج نظام فلاحي لريّ البساتين، مرتبط بالحياة القروية في عُمان ارتباطاً وثيقاً دارت حولها الحكايات والأساطير.
وجاء في الرواية “خسر إحساسه بالأشياء من حوله، تبدل فجأة إلى إعصار هادر من الحنق، ترقية مطرقته وهوى بها على الصخرة، وعاود هذا مرارا وتكرارا حتى ارتج الموضع، وبدأ الغبار يتزايد من الحجارة المتساقطة. تتالت الضربات، وتَغيُّر جسمه كله إلى يدين لا هم لها سوى لطم ذاك المنطقة الجبلية الجاثم في مواجهته كأنه يضرب كل ما عاشه مذ كان ولدًا، يهوي بالشاكوش على سجنه، على غيابه، على اليأس من مغادرته هذه العتمة، على شوقه الكاسح إلى قرينته، على الهدير الذي يصم أذنيه ويمنعه من ساع أي شيء سواه، على العزلة التي تنبسط وتمتد، وعلى الفكرة التي لا يود أمامها… لم يكن يدري أن بدن الصخرة يتداعى في مواجهته، كان غائبا في غضبه، متحدا مع مطرقته في هدم كل الجدران التي واجهته، وهو المنفرد، الغائب، السجين، الموجوع، الجائع، العطش”.
القاسمي شاعر وروائي عُماني، من مواليد دماء والطائيين، سلطنة عُمان، عام 1974. صدر له أربع روايات: “جبل الشوع” (2013)، ” القنّاص” (2014)، “جوع العسل” (2017) و”تغريبة القافر” (2021)، بالإضافة إلى عشرة دواوين شعرية أبرزها «أمسكنا الوعل من قرونه» و«رحيق النار» و«مراكب ورقية». و”سيرة الحجر 1 (قصص قصيرة، 2009) و”سيرة الحجر 2″ (نصوص، 2011).
عن طبيعة كتابته يقول الشاعر والكاتب العماني لصحيفة الشرق الأوسط اللندنية “أنا شخص غير معروف في الوضع العربي العام، قد أكون معروفاً لدى العمانيين، ولكن ليس لدينا كثير من النقاد. حتى مع وجود النقاد نجد أن لكل ناقد طريقته وكتّابه الذين يُعجب بهم، ولا ضير ألا يلتفت أحد لكتاباتي، يكفيني أن يوقفني شاب في الطريق ويقول لي إنه قرأ كتاباً لي وأعجبه، هذا يعني لي الكثير، بدلاً من الكتابات النقدية التي لا أفهمها أصلاً!”.
تجدر الإشارة الى ان رواية “تغريبة القافر” مدرجة على القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية “البوكر” عن الروايات المرشّحة للقائمة الطويلة بدورتها للعام 2023، والتي تبلغ قيمة جائزتها 50 ألف دولار أميركي، حيث تتضمن القائمة 16 رواية وهي: “منا” للجزائري الصديق حاج أحمد | “صندوق الرمل” لليبية عائشة إبراهيم | “الكل يقول أحبك” للمصرية مي التلمساني | “ليلة واحدة تكفي” للأردني قاسم توفيق | “حجر السعادة” للعراقي أزهر جرجيس | “اسمي زيزفون” للسورية سوسن جميل حسن | “حاكمة القلعتين” للسورية لينا هويان الحسن | “بيتنا الكبير” للمغربية ربيعة ريحان | “كونشيرتو قورينا إدواردو” لليبية نجوى بن شتوان | “أيام الشمس المشرقة” للمصرية ميرال الطحاوي | “الأفق الأعلى” للسعودية فاطمة عبد الحميد | “عصور دانيال في مدينة الخيوط” للمصري أحمد عبد اللطيف | “الأنتكخانة” للمصري ناصر عراق | “بار ليالينا” للمصري أحمد الفخراني | “تغريبة القافر” للعماني زهران القاسمي | “معزوفة الأرنب” للمغربي محمد الهرادي.
تأتي رواية تغريبة القافر على خلفية ترشيح رواية “دلشاد” للقاصة والروائية العمانية بشرى خلفان ضمن قائمة البوكر القصيرة للعام 2022 التي قسمت فيها الرواية إلى ثلاثة فصول، يحمل كل فصل عنوان حارة من حارات العاصمة مسقط، التي تدور فيها الأحداث الرئيسية للرواية، في النصف الأول من القرن العشرين. الشخصية الرئيسية “دلشاد”، الفتى المسقطي، مجهول النسب، الذي يكبر في حارة من حارات “البلوش”، متأثراً بثقافتهم ومن جاورهم من العرب. منه ترث مريم الجوع والضحك، وتكون طفلته وأمه ورفيقته في عماه، لكنه ولشدة فقره، يضطر لتسليمها إلى بيت تاجر مسقطي، لتعمل مقابل لقمتها. في ذلك البيت، تعرف مريم تناقضات الحياة، حيث تعيش مطمئنة ثم تضطر للهرب. “دلشاد” رواية عن الجوع والحزن، المغامرة، والحب، تتوالد فيها الحكايات بأصوات متعددة، وبلغات مختلفة، تعنون لتعدد الثقافات في مسقط. يظهر في صورة وكالة اسوشيتد برس رجال عمانيون يمرون من أمام مطعم طويان الذي يحمل شعار شركة مشروبات غازية أميركية في مسقط، أثناء كانون الثاني/يناير 1980.
زنجبيل الكتب | كايد أبو الطيف، مزارع في حقول الثقافة ومبادر منصة هُنا الجنوب