الجامعة المفتوحة ترى مساهمة تدريجية للانتفاضة في تطوير العسكرة الجديدة
زنجبيل الكتب | كايد أبو الطيف
يصادف 28 أيلول/سبتمبر 2000، الذكرى السنوية لاندلاع شرارة الانتفاضة الفلسطينية الثانية أو انتفاضة الأقصى، وتوقفت فعليا في 8 شباط/فبراير 2005 بعد اتفاق الهدنة الذي عقد في قمة شرم الشيخ، إلا أن مراقبين يرون أنها لم تنته لعدم توصل الفلسطينيين والإسرائيليين إلى أي حل سياسي ولاستمرار المواجهات بمدن الضفة الغربية، وخلال سنوات الانتفاضة الخمسة، قتل 4412 فلسطينيا، وأصيب نحو 49 ألفا. بينما قُتل 1100 إسرائيلي، بينهم 300 جندي، وجُرح نحو 4500 آخرين، ومنذ الانتفاضة تطورت عسكرة جديدة تدريجيا في إسرائيل.
يرى كتاب “يطلقون النار ولا يبكون: عسكرة إسرائيل الجديدة في القرن الحادي والعشرين” الصادر في شباط/فبراير 2023 عن منشورات “لمدا” التابع للجامعة المفتوحة الإسرائيلية ويقع في 442 صفحة، انه منذ الانتفاضة الفلسطينية الثانية، تطورت عسكرة تدريجية جديدة في إسرائيل، والتي نشأت عن مفارقة، التي مفادها انه كلما واجهت إسرائيل المزيد من القيود الدولية على استخدام القوة العسكرية، وظهرت بدائل سياسية لها، تبذل مؤسسات الدولة والقوى الداعمة لها المزيد من الجهود لتعزيز الشرعية العامة لاستخدام القوة العسكرية. والنتيجة هي نوع جديد من العسكرة. واستخدام مصطلحات جديدة لم تكن تستخدم من قبل وأكثرها شيوعا “التحييد”، وغالبا عندما تستخدم الشرطة الإسرائيلية مصطلح “تحييد”، فإنها تشير إلى إطلاق النار على المنفذ، لكن ما زالت حالة المنفذ الصحية غير معروفة.
يقدم “يطلقون النار ولا يبكون: عسكرة إسرائيل الجديدة في القرن الحادي والعشرين”، وهو الكتاب الجديد للباحث في العلاقات العسكرية بالمجتمع البروفيسور يجيل ليفي، خريطة واسعة ومبتكرة لخصائص هذه الظاهرة، والتي لم تجد تركيزا بحثيا للظاهرة ومن خلال مناقشة الأدبيات العبرية الصادرة حتى يومنا هذا.
حيث يبحث في كيفية تطوير خطاب العنف الجديد من قبل الجيش “من أعلى إلى أسفل”، والذي يفتخر باستخدام القوة، على أي خلفية قامت المجموعات الاجتماعية التي تدير الجيش بتنمية خطاب العنف الديني القومي الذي يفتخر باستخدام العنف “من الأسفل إلى الأعلى”. وكيف تستخدم مؤسسات الدولة الظواهر الليبرالية مثل الحساسية للمساحات والنسوية وحتى خطاب حقوق الإنسان لتقوية شرعية ممارسة القوة. وبذلك يقدم إجابة مبتكرة لسؤال كيف تمكنت إسرائيل في الحفاظ على سيطرتها على الفلسطينيين لعقود، ولا يكتفي بالعبارة المبتذلة الشائعة في الخطاب العام، بأن التطرف إلى اليمين هو تفسير استمرار هذه السيطرة. الكتاب مخصص لجنود الحاضر والمستقبل وعائلاتهم والجمهور بأسره. ويسعى إلى إيضاح المعنى الكامل لتحركات معقدة تقوم بها الدولة والجيش، وهي تحركات تخفي أحيانا عن أعين الجمهور تحت عباءة إجماع حب الوطن.
يعتبر المؤلف انه يكمن جوهر هذا الكتاب في ثلاثة تحديات: أولها تقديم مسح واسع لخصائص عسكرة إسرائيل الجديدة والتمييز بينها وبين الخصائص التقليدية. مع ان الكتاب الذي أمامنا لا يناقش العسكرة كظاهرة ثقافية دائمة بل بالعسكرة ونزع السلاح، أي التغييرات التي تنطبق على مستوى العسكرة، بما في ذلك زيادة مستواها. لكن العسكرة لا تعني فقط تغيير مستوى النزعة العسكرية، بل تعني أيضا بروز ظواهر جديدة لم تكن موجودة في الماضي أو ظهرت بشكل أقل.
التحدي الثاني هو شرح اندلاع شرارة العسكرة الجديدة، وهو جانب لم تتناوله الأدبيات السابقة كثيرا، وبصورة محددة مع انتقال الخطاب حيال الجيش إلى أبعاده التنظيمية والاقتصادية، وهي عملية تطورت منذ ثمانينيات القرن الماضي، مع التغيرات في التكوين الاجتماعي للجيش، تساهم في تقليل مناقشة دور الجيش في الحيز العام لا سيما ذلك الخطاب الذي يتعامل مع منطق استخدام القوة، وبالتالي تكثيف العسكرة المتجددة لأجزاء في المجتمع. فيما تتغذى العسكرة من روح عرقية قومية لا توازنها روح علمانية وليبرالية.
التحدي الثالث يتعامل مع فجوة أخرى تتمثل بعدم مناقشة شرعية العنف. وتجسد هذه الندرة فجوة واسعة في الأدبيات العبرية. إن إضفاء المثالية على “جيش الشعب” في إسرائيل، والذي يُنظر إليه على أنه يؤدي أدوارا في مجال التعليم والمجتمع، يقوي الميل إلى إنكار مساعيه العنيفة، وقد ترسخ هذا الاتجاه أيضًا في التيار الرئيسي لعلم الاجتماع الإسرائيلي.
زنجبيل الكتب | كايد أبو الطيف، مزارع في حقول الثقافة ومبادر منصة هُنا الجنوب