الفوضى السياسية في اجتياحها المنطقة: مشربش الشاي اشرب ازوزة

زنجبيل الكتب | كايد أبو الطيف

أصدرت دار النشر الاكاديمية العبرية رسلينج مطلع الشهر الجاري آذار/مارس 2023 طبعة جديدة ومنقحة من كتاب “الأناركية: انطولوجيا” تحرير الراحل أ.د. ابراهام يسعور الذي يأتي على أشهر الكتابات المختارة في العالم حول رفض الوصاية الفكرية للمؤسسات الدينية والحكومية في مسألة الفوضى السياسية، خصوصا مع ما تعيشه اسرائيل منذ بداية العام. اذ تصاعدت الاحتجاجات منذ بداية العام الجاري 2023 عندما اقترحت حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اليمينية المتشددة تشريعا جديدا من شأنه أن يحد من سلطة المحكمة العليا. حيث يخرج أسبوعيا حشود من الإسرائيليين إلى الشوارع احتجاجا على خطة الحكومة المثيرة للجدل لتعديل النظام القضائي ويقطعوا طرقا في أنحاء البلاد تنديدا بهذه الخطوة. وأثارت الخطة القلق في الداخل والخارج على وضع الديمقراطية في إسرائيل. وانضم جنود الاحتياط بالجيش إلى الاحتجاجات. ويقول نتنياهو، الذي يُحاكم بتهم فساد ينفي ارتكابها، إن إصلاح النظام القضائي ضروري لإعادة التوازن بين دوائر الحكم. ويقول منتقدون إن ذلك سيُضعف الديمقراطية في إسرائيل وسيمنح الحكومة صلاحيات غير خاضعة للرقابة.

وتجمع الانطولوجيا عن الاناركية واللاسلطوية والفوضى السياسية لأول مرة بالعبرية أبرز الأفكار الكلاسيكية في القرنين التاسع عشر والعشرين. ويأتي الكتاب على نصوص ويليام غودوين، بيير جوزيف برودون، ميخائيل ألكسندروفيتش باكونين، بيوتر كروبوتكين، إيما جولدمان، غوستاف لانداور، هربرت إدوارد ريد، مارتن بوبر. حيث يبدو أنه من المستحيل فهم الفكر الغربي في المائة وخمسين عامًا الماضية دون التطرق الى الفوضى السياسية، والذي يهتم بـ “سياسة الدولة” ، دون الأخذ بعين الاعتبار تقليد الفكر الأناركي، الذي انقسم إلى العديد من التيارات.

منها اللاسلطوية اليسارية، والفوضوية اليمنية، واللاسلطوية الشيوعية، إضافة الى اللاسلطوية الطوباوية، واللاسلطوية الإرهابية، واللاسلطوية التحررية، واللاسلطوية المثالية ، وغيرها الكثير. مع “موجة الفوضى” الأناركية من 1880 إلى 1920، و “موجة مناهضة الاستعمار” من عشرينيات إلى أوائل ستينيات القرن الماضي، و “الموجة اليسارية الجديدة” من منتصف ستينيات إلى تسعينيات القرن الماضي، إضافة الى “الموجة الدينية” التي بدأت مع اقتحام المسجد الحرام في مكة المكرمة في المملكة العربية السعودية وسقوط شاه إيران والغزو الروسي لأفغانستان عام 1979، وبعدها الغزو الأميركي البريطاني للعراق في 2003، وليس أخيرا الصعود والأفول السريع لتنظيم الدولة في أطراف العاصمة دمشق وبغداد في 2013.

ما هو شائع في فكر وممارسة جميع الأناركيين هو رفض كل حكومة، وقبل كل شيء رفض الدولة كمصدر للشر. يُنظر إلى الدولة على أنها تجسيد للتحولات المؤسسية واضطهاد الفرد وحريته. كل سلطة غير شرعية، في حين أن منطق قوانين الدولة والبنية التشريعية والقسرية هي انعكاس للعلاقات المتناقضة الموجودة في مجتمع هرمي، لآليات الدولة التي تكون خادما في أيدي الحكام.

لكن اللاسلطوية بطبيعتها لا يمكن أن تكون تغييرا منظما ومتفقا عليه مرة واحدة وإلى الأبد. إلى جانب الضعف في صراعاتها الأيديولوجية مع التيارات الاشتراكية الأخرى تتمتع أيضا بميزة الجوانب المختلفة لعقيدة الأناركية التي تسمح لها أن تكون، في المستقبل كما في الماضي، ذات صلة بفهم المجتمع الذي نعيش فيه، وكذلك لصياغة حديثة للمجتمع الجيد المنشود. في هذه الأيام، عندما تكون مخاطر التكنولوجيا الزائدة والتلوث البيئي بارزة، يمكن للمرء أن يلاحظ التركيز على الوعي البيئي والمطالبات الجذرية في مجال الحفاظ على البيئة وصحة السكان؛ لا توجد صعوبة في ربط هذه المطالب بالتعريف الواسع للحرية العامة من الفكر التقليدي الى الأناركي.

حرر المجموعة المختارة، البروفيسور أبراهام يسعور (1922-2008)، الذي توفي قبل أيام قليلة من نشر الكتاب والذي أهدت له هذه الطبعة الجديدة. درس يسعور في قسم العلوم السياسية في جامعة حيفا وتلقى تعليمه جيل كامل من الباحثين. من مؤلفاته العديدة “الفلسفة واليوتوبيا” (1996) و “مرحبًا بكم في القرن العشرين” (2002).

زنجبيل الكتب | كايد أبو الطيف، مزارع في حقول الثقافة ومبادر منصة هُنا الجنوب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى