المعابر في غزة الفاطمية يوم أمس: ذات “تأهب” رفح وكرم أبو سالم وبيت حانون

زنجبيل الكتب | كايد أبو الطيف

يركز حقل دراسات الاستعمار الاستيطاني على إدراك وتحليل التجربة الاستعمارية وعمليات الاستيطان، ويشمل هذا الحقل عدة جوانب مترابطة تساهم في فهم هذا الواقع من جوانبه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للعلاقات المتشابكة بين القوى الاستعمارية والمجتمعات المستعمرة.

خصوصا حالة التفاوتات الاقتصادية وتأثير الاستغلال الاقتصادي وسياسات الاستعمار في هذه الظاهرة، كما يساعد على تحليل آثار الاقتصاد على تطور الهيكل الاقتصادي والنظم الاقتصادية من خلال استغلال الموارد الطبيعية، الى جانب انشاء الاستعمار الاستيطاني نظامًا اقتصاديًا يعمل على تعزيز التفاوت في القوة الاقتصادية، يستفيد من فرص الاستثمار والتجارة والحصول على فوائد اقتصادية كبرى مما يؤدي الى تشويه الهيكل الاقتصادي المحلي الى جانب تشجيع الاقتصاد الاستنزافي الذي يعتمد على تصدير الموارد الخام والسلع المصنعة بأثمان زهيدة، مما يجعلهم يعتمدون بشكل كبير على الاستيراد.

بالنظر الى غزة المحاصرة أرضا وجوا وبحرا، فإنها كانت تعتبر ميناءًا مزدهرًا يعمل على تيسير التجارة بين مصر والشرق الأدنى والبلدان البحر الأبيض المتوسط، ونقطة تلاق للثقافات والتجارة والعلم، وتضمنت الأنشطة الاقتصادية الزراعة والصناعة والتجارة والأعمال المالية. وفي القرون الوسطى، ازدهرت غزة كمركز تجاري وثقافي تحت حكم الدولة الفاطمية والأيوبية والمماليك والعثمانيين. اذ اعتبرت غزة واحدة من أهم المدن البحرية في الشرق الأوسط، وشهدت نموًا اقتصاديًا مع توسع التجارة وتدفق الثروات. وخلال حكم الفاطميين، ازدهرت غزة كمركز ثقافي واقتصادي، تعززت فيها التجارة والصناعة في المدينة، وتطورت البنية التحتية للمدينة بإنشاء المساجد والمدارس والسوق والمباني العامة. وقد تم تجديد وتوسيع نظام الري والبنية التحتية الزراعية لتعزيز الزراعة وزيادة الإنتاج.

أما التحول الاقتصادي الكبير للقطاع فانه جاء مع القرن العشرين، اذ شهدت غزة تحولات اقتصادية سياسية متعددة، وهذا مجال بحث الدكتورة الأميركية اليهودية ساره روي وهي خبيرة اقتصادية سياسية حاصلة على الدكتوراه من جامعة هارفارد، وتعمل باحثة في مركز دراسات الشرق الأوسط التابع للجامعة، كما شغلت منصب مستشارة في منظمات دولية، وحكومة الولايات المتحدة، ومنظمات حقوق إنسان، ومجموعات أعمال خاصة تعمل في الشرق الأوسط.

ترى د. روي في كتابها بعنوان “غزة لا تصمت: تأملات المواجهة” الصادر في 2021 الذي يقع في 304 صفحات عن منشورات بلوتو اللندنية أن غزة، الى جانب كونها أحد أبرز مواقع المواجهة الفلسطينية، فإنها كذلك تعتبر أحد الأركان المركزية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي ومفتاح حله. وتضيف الباحثة روي التي تعد مرجعا أميركيا وازنا في فهم الاقتصاد السياسي وتحديدا في قطاع غزة انه “منذ عام 2005، عمقت إسرائيل عزلة القطاع، وفصلته بشكل شبه كامل عن روابطه الأكثر حيوية بالضفة الغربية وإسرائيل وما وراءها، وقامت بتدمير اقتصادها عمداً، وتحويل الفلسطينيين من شعب يتمتع بحقوق سياسية إلى مشكلة إنسانية”.

تفكك سارة روي هذه العملية، وتبحث في السياسة الخارجية للولايات المتحدة تجاه الفلسطينيين، فضلاً عن تحليل مسار السياسة الإسرائيلية تجاه غزة، والتي أصبحت ضمن سلسلة من الأساليب العقابية التي لا تهدف فقط إلى احتواء نظام سلطة حركة حماس بل إضعاف المجتمع في غزة. اذ تتأمل روي أيضًا في تدمير غزة من منظور يهودي وتناقش الروابط بين تاريخ غزة وتاريخها كطفلة لعائلة ناجسة من الهولوكوست. يأتي هذا الكتاب تتويجا لمسيرة احدى أكثر الكاتبات شهرة حول العالم في مجال تخصصها الذي يتطرق أساسا الى الاقتصاد السياسي في قطاع غزة.

لوحة الفنانة التشكيلية الفلسطينية الراحلة ليلى رشاد الشوا (1940-2022) بعنوان “جدران غزة”.

زنجبيل الكتب | كايد أبو الطيف، مزارع ثقافة في حقل إنتاج المعرفة، ومبادر منصة هُنا الجنوب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى