كيف يمكن تقديم رباعيات موليير بطرق إبداعية دون تبسيط مفرط
زنجبيل الكتب | كايد أبو الطيف: مزارع ثقافي في حقول المعرفة، ومبادر منصة
مسرحيات موليير الكوميدية التي نجدها في هذا الكتاب ليست فقط من بين الأكثر عرضًا، لكنها تتميز أيضًا بعمق نفسي ورسائل قوية تتجاوز الحدود التقليدية للكوميديا. في كل عمل من أعماله، نجح موليير في تخطي إطار الفكاهة السطحية، ليجبر الجمهور على الوقوف عند لحظات معينة والتفاعل معها بعمق عاطفي، بعيدًا عن الضحك الذي قد يسيطر على المشهد.
على عكس المونولوجات الشكسبيرية، لا نجد في أعمال موليير أي صور مجازية أو استعارات. ولكن جوهر أسلوبه يكمن في الوزن والقافية، اللذين يضفيان طابعًا منظمًا على المحتوى الواقعي تمامًا. هذا الأسلوب يتطلب من الممثلين نوعًا مما يمكن وصفه بـ “الاصطناع الطبيعي”، حيث يتحدثون بلغة نثرية، وإتقان هذه المهارة على المسرح مع الحفاظ على طبيعية الأداء هو تحدٍ بحد ذاته.
كما كان موليير واعيًا تمامًا لما يفعله. فمعظم مسرحياته مكتوبة بالشعر المقفى والموزون، باستثناء “دون جوان”، التي كُتبها بالنثر. وفي مسرحية “البرجوازي النبيل”، يكتشف مسيو جوردان، الشخصية الصاعدة اجتماعيًا، أنه كان يتحدث بالنثر طوال حياته دون أن يدرك أن هذا هو اسم الكلام اليومي. ورغم أن نصوص موليير تأتي في شكل شعري، إلا أن هذا الطابع هو من الناحية الشكلية فقط وليس من حيث المضمون الشعري.
أحد أبرز الأمثلة على ذلك هو مسرحيته الشهيرة “البخيل”، حيث نرى شخصية هارباغون، البطل الرئيسي، في لحظة تحول غير متوقعة. فرغم أن المسرحية تثير الضحك في معظم أجزائها، إلا أن المشهد الذي يرثي فيه هارباغون فقدانه لأمواله يلامس قلوب المشاهدين ويقطع لحظات الضحك بحزن حقيقي يثير التعاطف.
كما أن مسرحية “مدرسة النساء”، التي تبدو للوهلة الأولى كوميديا بسيطة، تخفي خلف قناع الفكاهة أزمة نفسية لرجل مسن يحاول يائسًا البقاء متصلًا بالعالم الحديث والشبابي. هذه المسرحية تقدم نقدًا عميقًا للمجتمع وتبرز معاناة الإنسان في مواجهة تغييرات الزمن.
رباعيات موليير
في مسرحيته “المريض الوهمي”، يعرض موليير شخصية المراقي، الذي يعيش في خوف دائم من تدهور صحته، مما يجعله فريسة سهلة للاحتيال الطبي. الكوميديا هنا تتداخل مع التراجيديا، حيث يسخر موليير من الهواجس الإنسانية، لكن دون أن يفقد العرض معناه العميق والمتعلق بالخوف من الموت والمرض.
بهذه الطريقة، تمكن موليير من تحويل الكوميديا إلى مرآة تعكس تعقيدات النفس البشرية، ليصبح ضحك الجمهور أكثر من مجرد استجابة عابرة، بل أداة للتفكير في واقعهم الخاص والمحن التي يواجهها الإنسان في حياته اليومية. مدرسة النساء (النسوة المتعالمات)، طرطوف، البخيل، والمريض الوهمي – أربع مسرحيات لموليير بترجمة إيلي بيجاوي، الذي أضاف أيضًا مقدمة، مع أربعة رسوم توضيحية للفنان دافيد بولونسكي وكلمة ختامية من نير رتشكوفسكي، مؤلف كتاب مغامرات موليير في اللغة المقدسة.
تأتي الترجمة العبرية الجديدة، بمناسبة مرور 400 عام على ولادة الكاتب المسرحي والمخرج والممثل الفرنسي جان باتيست بوكلان (1622–1673)، الشهير باسم موليير، حيث قدمت دار نشر “لوكوس” مجموعة من أربعة من مسرحياته بترجمات حديثة نالت استحسانًا كبيرًا. تعالج المسرحيات مواضيع متنوعة منها: القلق الذكوري الذي يؤدي إلى تعزيز الجهل بين النساء وإقصائهن عن المجال العام (مدرسة النساء)، والدجالين الذين يستغلون حاجة الإنسان الأساسية للإيمان باسم الدين (طرطوف)، والمحاولات اليائسة للتشبث بالمادة بسبب فقدان السيطرة على الحياة والخوف من الشيخوخة والوحدة (البخيل)، والخوف من الأمراض والموت الذي يؤدي إلى تأليه الأطباء (المريض الوهمي). المترجم، رجل المسرح إيلي بيجاوي، هو الحائز على جائزة الإبداع في الترجمة من وزارة الثقافة والرياضة (2022)، وجائزة روزنبلوم للفنون المسرحية (2020)، وجائزة المسرح الإسرائيلي (2015، 2016، 2017).