رحيل فارس الرواية العربية المعاصرة إلياس خوري بعد مسيرة أدبية حافلة

زنجبيل الكتب | كايد أبو الطيف

توفي في بيروت يوم الأحد الروائي والمفكر اللبناني إلياس خوري، عن عمر يناهز 76 عامًا، بعد صراع طويل مع مشاكل صحية في الأمعاء استدعت مكوثه في المستشفى لأشهر. خوري، الذي وُلد في بيروت عام 1948، يعد واحدًا من أبرز الأصوات الأدبية في العالم العربي، إذ قدم مساهمات أدبية ونقدية تركت أثرًا عميقًا في الساحة الثقافية.

إلياس خوري كان روائيًا وقاصًا وناقدًا وكاتبًا مسرحيًا بارزًا، وترك خلفه إرثًا أدبيًا غنيًا يشمل 12 رواية وثلاث مسرحيات وسيناريوهات إلى جانب العديد من الأعمال النقدية. من أشهر رواياته “باب الشمس”، التي أعادت تسليط الضوء على قضايا اللاجئين الفلسطينيين، إلى جانب أعمال أخرى مثل “الجبل الصغير” و”الوجوه البيضاء” التي عالجت قضايا إنسانية وسياسية جوهرية. تُرجمت مؤلفاته إلى العديد من اللغات، بما في ذلك الهولندية والإنجليزية والفرنسية والألمانية والعبرية والإيطالية والبرتغالية والنرويجية والإسبانية والسويدية، مما جعل صوته الأدبي مسموعًا على نطاق عالمي.

درس خوري التاريخ في الجامعة اللبنانية وحصل على دكتوراه في التاريخ الاجتماعي من جامعة باريس. خلال مسيرته، شغل مناصب تحريرية في عدة صحف لبنانية، وكان رئيس تحرير الملحق الثقافي لصحيفة “النهار”. كما درّس الأدب في جامعات عالمية بارزة، منها جامعة نيويورك، حيث شغل منصب أستاذ زائر للأدب العربي المعاصر.

ولد خوري في منطقة الأشرفية لعائلة أرثوذكسية، وكان صديقًا للشاعر محمود درويش والمفكر إدوارد سعيد. تميزت كتاباته بعمق إنساني وتناولها للتحديات السياسية والاجتماعية في لبنان والمنطقة العربية. تُرجمت أعماله إلى عدة لغات، مما جعل صوته مسموعًا على الساحة العالمية. وهو لم يكن مجرد كاتب، بل رمزًا للفكر الحر والبحث عن الحقيقة في زمن مليء بالتحديات. أعماله ليست فقط نصوصًا أدبية، بل شهادات حية على الواقع الاجتماعي والسياسي، معبرة عن قصص المهمشين والمجهولين.

في روايته “باب الشمس”، التي تحولت لاحقًا إلى فيلم سينمائي، تناول خوري فكرة الموت بقوله “حين يموت من نحبه يموت شئ فينا، هذه هي الحياة، سلسلة طويلة من الموت. يموت الآخرين، فتموت أشياء فى دواخلنا، يموت من نحبهم، فتموت أعضاء من أجسادنا، الإنسان لا ينتظر موته، بل يعيشة، يعيش موت الآخرين داخله، وحين يصل إلى موته، يكون قد بتر الكثير من أجزائه، ولم يبق منه إلا القليل”.

جسدت كلمات إلياس خوري رؤيته العميقة تجاه مفهومي الحياة والموت، وكشفت عن فلسفة تأملية تعبر عن فهمه الوجودي للتجربة الإنسانية. في أعماله، لم يكن الموت مجرد نهاية بيولوجية، بل جزءًا من رحلة أعمق يتقاطع فيها الألم والحب والفقد. هذه الرؤية الفلسفية، التي تسري في كتاباته، جعلت من إرثه الأدبي والفكري مرآة تعكس الصراعات الداخلية والخارجية التي عاشها مجتمعه ووطنه.

إرث خوري سيبقى حاضرًا بقوة في الوجدان الثقافي، إذ ستواصل أعماله استنطاق الواقع والتاريخ، حاملةً معها تساؤلاته الأبدية عن الإنسان ومعاناته وأحلامه. فإبداعاته لم تكن مجرد سرد لأحداث، بل دعوة للتأمل في عمق الوجود. لذا، فإن إرثه الأدبي والفكري سيظل ينبض في قلوب قرائه وعقولهم، مرشدًا للأجيال القادمة، ومذكرًا بقوة الكلمة في مواجهة التحديات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى