حي باشتشارشيا سراييفو: مزيج من الماضي المكسور والمستقبل المشوش
زنجبيل الكتب | كايد أبو الطيف
خميس: (وهو يحاول تثبيت مسمار قديم أكلته الأيام) في سراييفو.. كل شيء مكسور. أتعلم يا جمعة، هذه الطاولة تبدو كأنها نسخة من شوارع غورازده أو أزقة نوفى غراد. نصلح الطاولات، ولكن من يصلح هذه المدينة؟
جمعة: (يمسك بلوح خشبي متشقق، ينظر إليه باستغراب) ماذا تقول يا خميس؟ الطاولات لا تتحدث ولا تفكر في شوارع سراييفو. هذه الطاولة تعرف أنها ميتة، لكننا نصر على إنعاشها. فلسفة الطاولات في هذا المكان لا تعمل.
خميس: (يبتسم ابتسامة غامضة، كأنه يعلم سرًا دفينًا) الطهارة يا جمعة، الطهارة.. ليست في المكان، ليست في شارع فرهاديا ولا في أحياء ستاري غراد. إنها شيء آخر، شيء لا يعرفه سكان هذه الأزقة القديمة.
جمعة: (يجلس على الأرض بجانب الطاولة، متأملاً في الخشب المتشقق) الطهارة؟ الطهارة اختفت من سراييفو منذ أن توقفت المدينة عن البكاء. الناس هنا لا يعرفون سوى البقاء على قيد الحياة.. كيف يمكن أن تكون هناك طهارة في مكان مثل دوبروفنيك أو بتروفاك؟ هُنا، كل شيء هو معركة.
خميس: (يتوقف عن العمل، ينظر إلى النافذة التي تنظر إلى الافق، وكأن سراييفو نفسها تراقبهم) الطهارة ليست في المكان. سراييفو تعلم هذا. إنها في الصدق.. في اللحظات الصغيرة التي لا تراها، حينما يكون كل شيء غارقًا في عبث المدينة. حينما تصمد في وجه ضحكات الناس في الأزقة المظلمة، أو حينما تصر على إصلاح طاولة تعلم أنها ستنكسر مجددًا.
جمعة: (ينهض، يمشي ببطء حول الطاولة، كأنما يطارد فكرة لا يستطيع الإمساك بها) ربما كانت الطهارة موجودة في سراييفو القديمة، قبل أن تبتلعها الحداثة. في زقاق ضيق، حيث يجلس شيخ وحيد يروي حكايات عن أيام بيستريك. لكن الآن؟ الآن نحن نبحث عن الطهارة في مكان فقد نفسه.
خميس: (بابتسامة ساخرة، وكأنما يهمس إلى الطاولة) الطهارة يا جمعة، مثل سراييفو، تظل موجودة في الصدع، في ذلك الكسر الذي لا يمكن إصلاحه. إنها ليست في الكمال، بل في المحاولة.. في الضجيج، في عبث الأزقة الضيقة التي لا تؤدي إلى مكان.
「 الضوضاء تزداد في الخارج، أصوات السيارات تمر عبر شارع مارشالا تيتا، يعلو صوت المطر، وتتداخل الأصوات كأنها جزء من فوضى لا نهاية لها 」
جمعة: (بصوت هادئ، يكاد يكون همسًا) إذن.. نحن نبحث عن الطهارة في شوارع لا تملك اسمًا، في سراييفو التي نعرف أنها لن تعود أبدًا؟
خميس: (يعود للعمل، وكأن الإجابة واضحة في صداه) نعم يا جمعة. نبحث عن الطهارة في عبث المدينة.. وفي أنفسنا.
[مشهد من مسرحية #شتاءسراييفو، تأليف كايد أبو الطيف وإنتاج مسرح اليمامة – بيت إبداع المركز الجماهيري رهط، التي ستعرض ضمن الدعوة الرسمية لمهرجان سراييفو الدولي للمسرح المعاصر. يأتي هذا العرض بعد فوز مسرحية “الخان الأخير” بجائزة أفضل ممثل للمبدع المتألق علي أبو غانم في العاصمة سراييفو عام 2023]