بوابة الشام البرية: همزة الوصل بين الجنوب والشمال، بقلم: أحمد أبو عرب – أم الفحم

استلمت خلال الأسبوع الأخير الرواية الأولى للدكتور أحمد محمود قرمطة إغبارية بعنوان “جمعة مشمشية” وهي رواية أقل ما يقال فيها أنها تحفة في غاية الجمال والترتيب، تراها تارة ممزوجة بالواقع وتارة أخرى ممزوجة بالخيال. أغلب شخصياتها وأماكنها كنا قد ألفناها في هذا البلد أو سمعنا عنها سواء بمسمياتها الحقيقة أو غير الحقيقة. يسرد الكاتب بصورة سلسلة روايته ويرسم لنا ما يدعونا للتفاؤل والحزن في آن، ولكنه يبقي لكل واحد منا مساحته المتخيلة الخاصة ليغوص في ذاكرته ويستعيد لنفسه الأحداث والشخصيات من زاويته الشخصية أيضا. يمكن أن نجزم ونقول إن هذه الرواية “الفحماوية” تحمل هويتنا بكل تركيباتها وتجلياتها وتناقضاتها ولكنها أيضا تمنحها الفرصة لتحلق في فضاء جديد وجميل.

تحمل الرواية وصفا زاخرا بتفاصيل المكان الجغرافية والبيئية والنباتية والإنسانية وتشكل سوية صورة وتؤكد ما لا يمكن أن يغيب عن حال أو بال أي شخص منا… أننا وجدنا هنا لنبقى وأننا سنبقى نحمل رسائل السماء والأنبياء ولو إلى بعد حين… أستطيع أن أدعوها رواية “النَفَس الواحد” لأنك ما أن تبدأ بقراءتها حتى تجد نفسك مربوطا بخيط قوي من الأحداث المتراصة والمترابطة حتى تنهيها وتستعيد معها جزءا من عافيتك الوجدانية والإنسانية.

ترنو الرواية من خلال أبعادها الرمزية إلى إصلاح ما فسد في مجتمعنا المحلي، وإعادة تشكيل الأنماط السلوكية بصورة تفتح أمامنا كمجتمع وكقراء كوة في جدار الأمل نحو مستقبل أفضل تسوده المساواة والتناسق والتمسك بكل ما هو أصيل، وإعادة صياغة هويتنا العربية بأبعادها المحلية والقطرية والإقليمية دون تشويه. ولا تخلو الرواية من الصور التي تجعل من واقعنا الحالي والمركب مؤهلا لخوض تجربة جديدة مبنية على المحبة بدلا من الكراهية، والألفة بدلا من البغضاء، والانسجام بدلا من التنافر.

يُسّخر الكاتب في روايته مجموعة كبيرة من الرسائل الروحانية والدينية الأصيلة، ليؤكد على أهمية المصالحة مع الذات ومع الموروث الحضاري والديني كلبنة من لبنات الهوية الجمعية، وكمخرج لأزمتنا الاجتماعية الحالية التي تسود مجتمعنا العربي بكل مآسيه من جريمة وعنف.

يستحضر الكاتب من خلال تعابيره الروحانية صورا تذكرنا بالمكان والزمان الذي ساد المسجد القديم في “الإغبارية” كدلالة رمزية على روحانية وصفاء الشخصيات التي حملت رسالة الدين الحنيف وكتعبير يسجد روح المكان ومكانته في الأذهان، مقابل تلك الشخصيات المتخيلة التي جاءت لتمسح من الذاكرة هذه الصورة لتبقي على القشرة بدلا من الجوهر وعلى الشكل الخارجي بدلا من المضمون ويقول لنا إنه شتان ما بين هذا وذاك.

“هذا الطريق يبعث على الألفة والأمل. لعل المسيح مر من هنا في طريق صعوده إلى الناصرة. طريق وادي عارة. همزة الوصل بين الجنوب والشمال. البوابة البرية لبلاد الشام وعصب التبادل الحضاري. كثيرون مروا من هنا وغيروا التاريخ. هل أكون واحدا منهم؟ كثيرون مروا من هنا وانتكسوا أو أغفلهم التاريخ. هل أكون واحدا منهم؟ البيوت الطينية المبعثرة على التلال من جانبي الطريق، ومن حولها كروم الزيتون الرومية الممتدة إلى ذرى الجبال وإلى ما خلف الأفق، كلها تحقن الجسد بخدر منعش”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى