دنيا تعيد ترتيب الخنجر والسيف والرمح في عمق التراث والهوية الشركسية
زنجبيل الكتب | كايد أبو الطيف
رواية “مرتدو الفانيلات” التي صدرت خلال 2022 والحائزة على عدة جوائز أدبية عبرية، هي باكورة الانتاجات الأدبية للكاتبة الشركسية نادية تحاوقة بشناق (33 عاما). لم تتهاون بشناق أبدا مع بطلة روايتها دنيا، عندما القت بها في تجربة ستغير مجرى حياتها من اجل اكتشاف المعاني الجديدة التي تمكن ما وراء “الهواء والبحر واليابسة” في تعرضها لجريمة الاعتداء الجنسي، الاغتصاب.
جاء في باكورة بشناق الروائية “في إحدى ليالي الشتاء، وصلت دنيا، وهي طالبة في العشرين من عمرها، إلى مستشفى هداسا في القدس، بعد أن انزلقت على درج مركز التسوق مأمن الله، وأصيبت بجروح بالغة. شيئا فشيئا، بمساعدة طوفا الأخصائية الاجتماعية، وابنتها نوعا، فنانة شابة، تتذكر الحدث المروع الذي حدث لها قبل سقوطها باستخدام الأدوات التي تعيها، الدين الإسلامي والعلم، تحاول دنيا الإجابة عن الأسئلة المؤلمة التي تواجهها. وتكتشف أنه في بعض الأحيان توجد الإجابات المعقدة في الإنسانية البسيطة التي نتشاركها جميعا وفي التعاطف النسوي الذي يكون ممكنا أحيانا بين النساء.
عنصر الدهشة هو ما يقود رواية بشناق التي حاكته على طريقة المذكرات الشخصية التي تأتي على حياة دنيا، امرأة مسلمة قادمة من قرية في الجليل خلال عامها الأول في دراسة الطب في الجامعة العبرية في القدس، ومن أجل إتمام دراستها تعمل بعد الدوام الجامعي في مقهى داخل مركز التسوق الذي بني على أنقاض مأمن الله، وتتساءل عن علاقتها بالجيل الشاب اليهودي من حولها الذين تسميهم “مرتدو القمصان الداخلية – الفانيلات”، تنجذب إلى أسلوب حياتهم الحر مقارنة بحياة القرية في الجليل، لكنها تشعر بإحساس كبير بالانتماء والالتزام بدينها وأسرتها وطريقة الحياة التقليدية التي نشأت فيها.
أقلية في أقلية داخل أقلية ضمن أقلية
ولدت نادية نادية تحاوقة بشناق في العام 1989، وترعرعت في كفر كما في كنف أسرة شركسية مسلمة، تلقت تعليمها الثانوي في الجليل الأسفل، ودرست لاحقا الهندسة الصيدلانية في كلية هداسا في القدس، وبعدها علم النفس وعلوم الحياة في الجامعة المفتوحة. بشناق هي باحث في مجال المناعة العصبية النفسية بكلية الطب في المعهد الإسرائيلي التكنولوجي – التخنيون حيفا. نشرت أثناء 2013 في موقع جريدة هآرتس مدونة بعنوان “المشاهدة” التي تتعامل مع الثقافة الإسرائيلية من وجهة نظرها، متزوجة وأم لطفل، وتعيش في كفر كاما.
تعرض الشراكسة قبل 150 عاما لعمليات تهجير قسرية نفذتها القوات الروسية التي طردتهم من ديارهم في جبال القوقاز ورحلتهم إلى خارج الإمبراطورية الروسية في ذلك الوقت عن طريق البحر الأسود بعد أن مات ثلثهم من البرد والجوع والأمراض.
ويعتقد الشراكسة أن مليون و500 ألفا من أسلافهم لاقوا حتفهم خلال حملة التهجير الجماعي التي نفذها جنود الإمبراطورية الروسية لتسهيل بسط سيطرتها على منطقة القوقاز. لكن مؤرخين روسا وأوروبيين يقولون إن العدد الأقرب إلى الواقع هو 300 ألف شخص. ويخوض كثير من الشراكسة القوميين الأصوليين حملة لمطالبة روسيا بالإقرار بأن ما حدث لأسلافهم في القوقاز كان إبادة جماعية بهدف تمهيد الطريق إلى عودة الشركس المنتشرين في أنحاء العالم إلى موطن الأجداد. وتقول روسيا إن ما حدث للشركس كان ضمن مآسي الحرب التي خاضها القيصر لإحكام سيطرته على جبال القوقاز لكنها تنكر إلى جانب إسرائيل أن تلك الأحداث كانت إبادة جماعية، ويقدر عدد الشراكسة في أنحاء العالم بزهاء ثمانية ملايين نسمة. وفي البلاد يقطنون في الغالب في قريتين في الجليل، هما كفر كما والريحانية، ويبلغ عددهم حوالي 5000 نسمة
زنجبيل الكتب | كايد أبو الطيف، باحث دراسات ثقافية ومبادر منصة هُنا الجنوب