الهولوكوست بين الذاكرة وفقدانها داخل أروقة المحكمة العليا الإسرائيلية
زنجبيل الكتب | كايد أبو الطيف
في حياة الفرد والجماهير والأمة والشعوب، تعتبر الذاكرة قيمة مركزية. هل يمكن التفكير بدون ذاكرة؟ كيف ستبدو حياتنا مع النسيان؟ ومع ذلك فمن الممكن أن تأتي الذاكرة بصيغة مؤرقة وأشدها هي تلك الذاكرة المراوغة. وهذا ما يحاول التعاطي معه الكتاب الجديد بعنوان “الذاكرة والقانون: قضاة المحكمة العليا يكتبون عن الهولوكوست” الصادر في 2020 ويقع في 400 صفحة، ومن المقرر تدشينه يوم الخميس 19 كانون الثاني/يناير 2023 وهو نتاج تعاون مشترك بين وزارة القضاء، ونصب “ياد فاشيم” التذكاري للهولوكوست، ومركز “زلمان شازار” الذي يعنى بالتاريخ اليهودي.
يضم الكتاب 15 مقالا ودراسة، التي تجمع بين حيز الذاكرة الشخصية والذكريات العائلية، من خلال الإجراءات القانونية والقضايا في فقه القضاء من خلال الدروس والأفكار. ويقتصر الكتاب في مادته على قضاة المحكمة العليا الإسرائيلية، وهم القضاة: عدنا أربيل، موشيه بايسكي (متوفى)، جبرايل باخ (متوفى)، أهارون باراك، دفنا براك-ايرز، يورام دنتسجر، نيل هندا، استير حايوت، تسفي تال (متوفى) حنان ملتسر، مريم ناؤور (متوفية)، نوعام سولبرج، الياكيم روبنشطاين، اليعازر ريفلين، مائير شمغار (متوفى)، وقام بالمبادرة لهذا الكتاب وتحريره كل من المؤرخ والصحفي والباحث في شؤون المحرقة النازية ايتمار ليفين، إضافة الى أ.د. الياكيم روبنشطاين، والمؤرخ أ.د. روني شطاوبر.
يأتي هذا الكتاب في الوقت الذي تشهد فيه المحكمة العليا الإسرائيلية تحديات لم تشهدها من قبل تزامنا مع ولاية رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو السادسة، خصوصا مع مشروع وزير القضاء الجديد المثير للجدل في تعديل النظام القضائي الذي من شأنه السماح للكنيست تجاوز قرارات المحكمة العليا، ومنح السلطة التشريعية مزيدا من الصلاحيات في تعيين القضاة. ويتم اختيار القضاة في إسرائيل من قبل لجنة مشتركة من القضاة والمحامين والنواب وبإشراف وزارة القضاء. ومن بين مقترحات الوزير أيضا “بند الاستثناء” الذي يتيح لنواب الكنيست، بأغلبية بسيطة، إلغاء قرار صادر عن المحكمة العليا.
وكتب 11 من كبار القضاة الذين عمل معظمهم في المحكمة العليا “ندعو الحكومة إلى التراجع عن الخطة التي أعلنتها ومنع الضرر الجسيم الذي قد يتعرض له نظام المحاكم وسيادة القانون”. وفي إسرائيل التي ليس لديها دستور، يمكن للمحكمة العليا إلغاء قوانين يقرّها الكنيست إذا اعتبرت أنها تتعارض مع القوانين الأساسية للبلاد. وبالتالي فإن إقرار “بند الاستثناء” من شأنه السماح للكنيست بإعادة تطبيق قانون سبق أن رفضه القضاة.
لأن الذاكرة كالهواء بالنسبة للنفس ونستخدمها في كل لحظة، لكنا نشعر بوجودها فقط عندما لا نتمكن من التذكر ويغلب علينا النسيان، جاء في مقدمة الكتاب بقلم رئيسة المحكمة العليا القاضية استر حايوت (69 عاما) “علمتنا قوانين العزل العنصرية التي غذت الفكر النازي أنه من الممكن اخضاع القوانين والتشريعات القضائية في خدمة الشر واستخدامهما لتبرير مشروع وحشي للإبادة الجماعية. ومن ناحية أخرى، مع نهاية الهولوكوست، حشد القانون الدولي من أجل توفير حل، أجندة جديدة تحاول منع انهيار الإنسانية في الهاوية الأخلاقية للهولوكوست، كانت محاكمة أيخمان وسيلة مهمة لإنصاف المظلومين وعلامة فارقة في تاريخ إسرائيل ومحاولة لتعويض جزئي للناجين وأحفاد الضحايا”.
تابعت حايوت “إن الترسيخ الدستوري للحق في الكرامة لا يوفر بالضرورة ضمانة مطلقة لوجود حماية لكرامة الإنسان من الأذى والقمع. يمكن للنظام الشمولي، من وجهة نظر الدولة، أن يتصرف وفقا لدستور الدولة وقوانينها، ولكن في الممارسة العملية وبطريقة جوهرية، ينتهك مبدأ سيادة القانون ويدوس على الحقوق الأساسية للفرد، بما في ذلك كرامة الإنسان. يبدو أن حالة النظام النازي في ألمانيا، والتي، على الأقل من وجهة نظر رسمية، لم تتعارض مع الأسس القانونية لدستور فايمار لعام 1919، توضح جيدًا هذه الرؤية.. ولذلك فإن الدفاع عن مبدأ استقلال الجهاز القضائي هو أحد الركائز الأساسية لأي نظام ديمقراطي، ويجب حمايته بأي ثمن”.
زنجبيل الكتب | كايد أبو الطيف، باحث دراسات ثقافية ومبادر منصة هُنا الجنوب