الصهيونية بين دمشق الفيحاء وحلب الشهباء في مطلع القرن العشرين
زنجبيل الكتب | كايد أبو الطيف
يشهد حقل الدراسات الصهيونية حالة انتعاش متجدد مع إطلاق جوائز ديوان رئاسة الوزراء التي تمنح للدراسات المتميزة التي تلقي الضوء على جوانب لم يتم التطرق اليها فيما قبل، كما هو الأمر مع جائزة دراسة المجتمعات اليهودية في الدول العربية وإيران التي قدمت في 2020 لصالح كتاب “احتلت دمشق مؤقتا: الصهيونية في دمشق 1908-1923″، لمؤلفه الأستاذ الدكتور يارون هرئيل عميد كلية العلوم اليهودية في جامعة بار ايلان، ويقع الكتاب الذي صدرت طبعته الأولى عام 2014 في 288 صفحة.
يسلط الكتاب فترة زمنية شهدت العديد من التغييرات والصدامات، مثل ثورة تركيا الفتاة، الحرب العالمية الأولى، وعد بلفور، الاستعمار البريطاني، وإنشاء المملكة العربية بقيادة فيصل، وتطبيق الانتداب الفرنسي. ما جعل يهود سوريا يشهدون تحولات داخلية عميقة، مثل إزالة حاخام باشا العثماني (حاخامباشي، الحاخام الأكبر في المجتمع اليهودي) واستبداله بآخر، وإدخال دراسة تحت رعاية جمعيات موالية لفرنسا، وتأسيس مدارسها الخاصة، إضافة الى نضال طلاب الحاخامات من أجل الحفاظ على مكانتهم وامتيازاتهم، زد على ذلك التوتر بين المؤسسات التعليمية العبرية المتناحرة، كل تلك الصراعات داخلية في قيادة المجتمع اليهودي، والصراع الطبقي والهجرة المستمرة أضعفت المجتمع اليهودي. خلال هذه الفترة التي بدأت أيضا المرحلة الأولى فيها من النشاط الصهيوني داخل دمشق.
يناقش كتاب احتلت دمشق مؤقتا الظروف التي أدت إلى تنشئة فكرة الصهيونية، والطريقة التي ظهرت بها الصهيونية في المجتمع اليهودي والمجتمع العربي المحيط، من خلال التربية الصهيونية الحديثة التي تؤكد على الثقافة العبرية، في اللقاء بين شتات اليهود والمجتمع الدمشقي، وفي مسائل الجندر ادت مشاركة الفتيات في النشاط الصهيوني الى تعزيز مكانتهن في القيادة المحلية، وكانت المرحلة الفاصلة خلال التوترات بين النشطاء الصهاينة ويهود سوريا على خلفية نشوء القومية العربية، وبالتالي انقلبت العلاقة رأسا على عقب مع المؤسسات الصهيونية بالمجتمع الدمشقي الذي تمثل بشكل جلي من دعم كبير إلى هجر كامل. يصف الكتاب النشاط الصهيوني، في أرض أصبحت على مر السنين دولة معادية.
اليهود الذين لا يزالون يعيشون في دمشق كما انهم يخزنون التحف في معبد بالحي اليهودي في المدينة القديمة يعود إلى العصر العثماني ولا تزال الطائفة اليهودية الصغيرة في سوريا تصلي فيه، وتتعامل السلطات السورية مع المعابد اليهودية على أساس قيمتها الأثرية مثلما يتم التعامل مع أي مسجد أو كنيسة. أبرزها معبد جوبر الذي شيد تكريما للنبي إلياس ويقع في حي جوبر على أطراف دمشق والذي عاشت فيه طائفة يهودية كبيرة لمئات السنين حتى اوائل القرن التاسع عشر وهو أحد المواقع المدرجة على قائمة التراث العالمي لمنظمة الامم المتحدة للتربية والعلم والثقافة – اليونسكو.
سوريا وإسرائيل من الناحية الرسمية في حالة حرب بالرغم من صمود وقف لإطلاق النار على طول الحدود بينهما منذ عام 1974. وانهارت آخر جولة من محادثات السلام بينهما في كانون الثاني/يناير 2000 بشأن اعادة معظم هضبة الجولان الى سوريا بسبب مصير بضع مئات الامتار المربعة من الارض على شواطئ بحيرة طبريا. وفي أيار/مايو 2008 كشفت اسرائيل انها قامت بإجراء محادثات سلام غير مباشرة مع دمشق بوساطة أنقرة.
بشأن خصوصية هذه الدراسة، يشير الباحث في مقدمة كتابه إلى أن هذا الكتاب هو ثالث دراسة التي تتناول المجتمعات السورية. وفي هذا الصدد، إنه الجزء الثالث من ثلاثية تلخص دراسة طويلة الأمد لتاريخ المجتمعات اليهودية من النصف الثاني من القرن الثامن عشر إلى النصف الأول من القرن العشرين. الذي يعتمد على رسالة الدكتوراه بعنوان “على متن سفن النار باتجاه الغرب: التحولات في يهود سوريا خلال الإصلاحات العثمانية 1840-1880”.
زنجبيل الكتب | كايد أبو الطيف، باحث دراسات ثقافية ومبادر منصة هُنا الجنوب